ماذا ينتظر الآخرون من رائد الأعمال؟؟
ينتظر الآخرون من رائد الأعمال أن يظهر بمظهر الثقة والقوة، وأن يحكي لهم قصة نجاحه وان يخبرهم عن معجزاته، فرائد الاعمال هو الخبير في حل المشاكل، أليس كذلك؟!
بالنسبة لرائد الأعمال فلا يوجد أحد سيثني على مستوى ضعفه؛ ولن يفوز بجائزة مقابل قلقه، ولن تُرفعَ له القبعاتُ احتراماً لحجم مخاوفه.
في الواقع: الكثيرون سيحتفلون بنجاحه، لكنه غالباً سيواجه إخفاقاته وحيداً.
إذا كنت قد قررت أن تترك الطرق المعبدة جانباً، وتستكشف حلولاً غير مجربة وأساليب لم تُطْرق بعد؛ فأهلاً بك في عالم الضغوطات والتحديات النفسية، وهذا الترحيب ـ للأمانة ـ يحل محل تحذير، كي لا تقول يوماً ما: لم يخبرني أحد!
عوامل الاضطراب المحتمل أن تلحق برائد الأعمال:
أولاً.. ضبابية مستقبل رائد الأعمال:
في عالم ريادة الأعمال، أنت لا تعرف هل سينجح مشروعك فعلاً؛ ومتى سينجح؟ ماذا تحتاج إليه كي تنجح؟ وكيف يمكنك وأنت تعبر “الطريق إلى النجاح” تأمين احتياجاتك؟ إلى أي حد ستكون قادراً على توفير التزاماتك المالية التي تطاردك وأنت تطارد حلمك؟.
حالة الضبابية هذه تستنزف طاقتك النفسية، فلدى البشر نزعة عميقة للتنبؤ بالمستقبل ومحاولة توقع ما يخبئه الأفق، مما يجعل مهمة التأقلم مع توقع المخاطر مهمة صعبة للغاية.
عندما يرى المرء شيئاً غريباً لم تسبق رؤيته، فإن العقل يميل إلى تصنيفه ضمن مجموعة مشابهة أو متقاربة، مفترضاً أنه يعرفه مسبقاً؛ فالعقل البشري يميل دائماً إلى إكمال الأنماط، وإغلاق النواقص، وملء الفراغات؛ لأن المجهول يربكه.
تخيل إذن كيف تتأثر صحتك النفسية نتيجة أيام وشهور وربما سنوات من الشك والريبة وركوب الخطر، والتأرجح بين احتمالات النجاح والفشل.
يرتبط هذا العامل بسمة من سمات الشخصية ذات البعد المعرفي أو الإدراكي ألا وهي:
القدرة على تحمل الغموض (Tolerance of Ambiguity)، وهي: الميل لإدراك المواقف الغامضة والتعامل معها بوصفها مصادر تهديد أو مواقف مرغوبة.
وككل سمات الشخصية؛ لا يوجد قطبان منفصلان، أحدهما يضم مجموعة من البشر تعشق المجهول وتحتضنه، والثاني يضم مجموعة تكره المجهول وتخشاه.
ثانياً.. محور الضبط (Locus of Control):
أثناء تنفيذ المشروع، وبناء النموذج التجاري، يواجه رائد الأعمال الكثير من التحديات والعثرات، من برأيك يتحمل المسؤولية عن الإخفاقات؟
هل الأسباب غالباً لها علاقة بالظروف الخارجية والعوامل المحيطة برائد الأعمال؟ أم أن المشكلة تكمن في طريقة إدارته للمشروع ونقص إمكانياته؟
بمعنى آخر: هل محور الضبط لديه داخلي أم خارجي؟
نقصد بمحور الضبط (أو التحكم) اعتقاد الإنسان في قدرته على التحكم في أحداث حياته، مقابل تحكم العوامل الخارجية فيها.
على سبيل المثال، لو تقدمتَ بطلب تمويلٍ لمشروعك، ورفضتْ الجهة المانحة طلبك، لمن – في العادة – توجه اللوم؟ من تعتقد أنه المسؤول عن الرفض؟ ربما تعتقد أن المسؤولية مشتركة.. ولكن من يتحمل المسؤولية بدرجة أكبر؟
إذا كنت تعتقد أنك لم تقم بواجبك على الوجه الصحيح، وأنك قصرت في جمع البيانات التي من الممكن أن تدعم طلبك، فمحور الضبط لديك “داخلي”.
أما إذا كنت ترى أن الجهة المانحة ليست مهتمة بمشروعك، أو أن الرفض لم يخضع لمعيار موضوعي، أو أن الأجواء العامة لا تدعم التمويل … إلخ، فأنت على الأغلب شخص ذو ضبط “خارجي”.
إذا تخيل معي ما يلي …
عندما يطلب منك صديقك مرافقته إلى موعد، ثم لا يخبرك بالتفاصيل؛ هل سيضايقك الأمر؟ أم ستجده مثيراً؟
وحين يقترح عليك زميل عمل مساعدتك في مشكلة تواجهها في أحد مشاريعك، ويعرض عليك حلها بنفسه، وإرسال المشروع إلى العميل مباشرة؛ هل ستشعر بالراحة والإطمئنان؟ أم ستطالبه بالاطلاع على تفاصيل الحل الذي سينفذه؟ أم سترفض الخدمة بتاتاً؟
فكر في مواقف من هذا القبيل، انطلاقاً من زاوية الغموض أو عدمه. أعرفُ أنك ستجيب على الموقفين السابقين بإجابة غير ثابتة؛ إذ لو كان صديقك محط ثقتك وتعلم أنه ليس متهوراً؛ فمستوى قلقك من هذا الموعد المجهول سينخفض كثيراً، وبالمقابل سيزداد منسوب حماسك وتتأجج إثارتك إذا كان صديقك رجلاً مغامراً، محباً للمفاجآت.
هنا أريدكَ أن تفكر في النمط العام لردات فعلك تجاه المواقف التي تتضمن قدراً من الغموض.
عموماً، وبغض النظر عن العناصر الأخرى، هل تتجنب المواقف الغامضة، ويقلقك التعاطي معها؟ هل تشعر بالضيق وأنت تخوض تجربة مجهولة أم تشعر بالإثارة والمتعة الحماسة؟
يمكننا القول: إن الأشخاص الذين يميلون إلى الغموض يتسمون بكونهم يتعايشون مع نقص البيانات والمعلومات، يتقبلون الاحتمالات المتعددة لتفسير الموقف نفسه، ويتريثون في اتخاذ القرارات لحين استكمال المعطيات.
أما الذين يميلون إلى تفادي الغموض، فإنهم يظهرون نزعة واضحة للتصنيف، لديهم حاجة للتأكيد والتحقق من الأمور، يفضلون الخيارات المألوفة والتي سبق أن جربوها، وأحياناً قد يتسرعون في الحكم هرباً من الغموض.
كيف يرتبط محور الضبط لديك بريادة الأعمال وبصحتك النفسية؟
رواد الأعمال عادةً لديهم محور ضبط داخلي، يعتقدون أنهم يملكون القدرة على التحكم، وتغيير أحداث الحياة من حولهم؛ يؤمنون بقدرتهم على التأثير وصنع الفرص؛ ولأن ذوي الضبط الداخلي يكونون أكثر عرضة للوم أنفسهم عندما لا تسير الأمور بالشكل المرغوب، فإن احتمالات تعرضهم للاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب تكون كبيرة.
أما الأشخاص الذين يتمتعون بمحور ضبط خارجي، فهم أقل تعرضاً للضغوطات، ويفسرون الأمور على أنها أقدار تفوق قدرتهم على التغيير، ويبدون قابلية أكبر للتأقلم والتكيف مع الأحداث الضاغطة.
ما يهمك هنا هو أن تدرك آلية تفسير الأحداث التي تعتمدها غالباً كنمط، وتبذل مجهوداً كيلا تكون ضحية محور الضبط لديك.
فذوو محور الضبط الداخلي: يعتقدون أنهم مسؤولون عن كل ما يحصل لهم، يقاومون إخفاقاتهم، ولا يهتمون كثيراً بعلاقاتهم الاجتماعية.
أما الأشخاص ذوو محور الضبط الخارجي: فيؤمنون بالحظ والصدف، يتقبلون الفشل أسرع، ويستثمرون كثيراً في علاقاتهم الاجتماعية.
استحضرْ دائماً أنك أكبر من كل نظريات علم النفس والشخصية، أنت ظاهرة أكثر تعقيداً وتركيباً مما يتخيل العلماء، لأن فيك نفخة من روح الله.
كل ما ورد أعلاه مجرد محاولة بسيطة لتوجيه نظرك لبعض العوامل التي قد تزيد من معاناتك النفسية أثناء رحلتك في ريادة الأعمال، وتنبيهك إلى جوانب قد تغفل عنها بينما تقتات على صحتك العقلية، وتمكينك من التحكم بمكوناتك الداخلية أثناء محاولاتك للتحكم بمكونات الحياة لمن حولك.
وأخيراً..
ندرك جيداً أن الناس لن يوجهوا لرائد الأعمال دعوة ليشاطرهم لحظات العجز والانكسار التي مر بها، بل سيرغبون دائماً في أن يروي لهم قصص الإنجازات التي يفخر بها؛ ولكنهم ينسون – وقد ينسى هو أيضاً – أنه ماكان ليفخر بإنجازه لولا قدرته على تخطي تلك اللحظات الموحشة التي أجبرته على الشك بنفسه وبقدراته… والأهم من ذلك كله أن تلك اللحظات الموحشة باتت جزءاً من تكوينه، صارت أحد أسلحته لمواجهة اللحظات الأكثر وحشة في طريقه، هي الآن أحد مصادر الراحة والسلام الداخلي الذي يعيشه بعد تجاوزها؛ بل تشكل الجانب الأكثر تأثيراً في بناء الشخص الذي يقف على المسرح ليخبرهم بكل سعادة: لقد فعلتها.
ولا تنسى صناع الأحلام… فنحن سنساعدك ونوجهك للطريق الصحيح وبأقل ما يمكن من الضغوط النفسية.